الغلابة يا حكومة

ميلاد حنا زكي


«جربت تكون مريض سكر وتدور على الأنسولين وماتلاقيهوش»، «جربت يبات ولادك جعانين من غير أكل وهما بيتحايلوا عليك تأكلهم أي حاجة وانت بتتمنى من جواك الموت قبل ما تسمعهم كدة» يا ترى انت حاسس بالغلابة والفقراء في العشوائيات وهم يئنون من زيادة الأسعار وأزمة السكر والأرز والأدوية وغيرها، «جربت تكون فقير وتتهان كرامتك وينتهك شرفك وتتعذب في أقسام الشرطة»، ألم تسمع عن سيدة الفراخ التي قالت: «ماعدتش قادرة اشتري فرخة على بعضها بقيت باشتري هياكل الفراخ»، أو التي قالت: «أمي بتموت والمعاش مش مكفي والعلاج على نفقة الدولة روتين والخدمة في المستشفيات الحكومية غير آدمية»، «مفيش مية كويسة عشان نشربها»، «مصاريف المدارس بقت نار غير مصاريف الدروس»، يا دولة رئيس الوزراء هذه بعض من عبارات كثيرة نسمعها من الفقراء والبسطاء ومحدودي ومعدومي الدخل وهي عبارات تجسد أوجاع الغلابة الذين افتقدوا القدرة تماما في مواجهة موجة الغلاء الجنوني التي شملت ضروريات وأساسيات الحياة اليومية وفاض بهم الكيل من الغلاء، وهي أيضا استغاثات يوجهها الغلابة لله ومن بعده إليك فأنصفهم حتى لا يوجهون هذه الاستغاثات لله ضدك.
قد يعارضني البعض بل ربما يعترض على ما أتصوره السيد رئيس التحرير نفسه ويراني موغلا في القتامة والتشاؤم ويطالبني بشيء من التفاؤل، وأن أري النصف المليء من الكوب، وقد أوافقه الرأي لكنني رغم النصف المليء من الكوب أرى الأمور تزداد سوءا بما ينعكس بالمزيد من المعاناة على قطاع «الغلابة» من الشعب وهو القطاع الأكبر الذي يواجه معاناة يومية في أقل شؤون الحياة، لكنها أساسية وهو شأن القوت اليومي والأكل والشرب فيخرج من أزمة الخبز إلى أزمة السكر، ومن أزمة السكر إلى أزمة زيادة أجرة المواصلات إلى مشكلة ندرة الأدوية الرئيسية وأسلوب وتكلفة العلاج في المستشفيات الحكومية إلى لحوم الحمير وإلى آخر هذه القائمة.
وفجأة وبدون مقدمات وإزاء حكومة عاجزة في حل مشاكل الغلابة في مواجهة مافيا الاستغلال وهي مافيا أقوى من الحكومات المتعاقبة، قررت هذه الحكومة تحرير الجنيه وتركت المواطن يضرب أخماسا بل تمادت لتطالب هذا الغلبان بالتقشف «يالهوي ..أكتر من كده إيه تقشف؟ْ!
وإذا ما كانت هذه الحكومة أو غيرها ترى في التقشف حلا ناجزا ووحيدا فإنني أسأل كم تكلفت منظومة كارت البنزين الذكي التي قررتها حكومة سابقة ثم ألغتها حكومة حالية؟ أيضا أسأل عن أخبار قانون الحد الأقصى للأجور، وهل ما زال حيا يرزق، أم تم تشييعه إلى مثواه الأخير؟
يا سيادة رئيس الوزراء لست سياسيا أو خبيرا اقتصاديا ولم أكن يوما ذلك الخبير ولكن الحق في الحياة هي أبسط الأمور بالنسبة للغلابة و«يا فرحتي» بتحرير العملة وظهور سيادتك مع الوزراء الأفاضل تتناقشون وتعرضون وتحللون أزمة الغلاء وأحوال الفقراء وكل وزير أمامه زجاجة مياه معدنية فيما هناك أسر في قرى مثل قرية الحيز بالواحات التي زرتها وعاينتها بعيني وهي تشرب مياه آبار غير منقاة، وهناك قرى أخرى غيرها، في الأرياف لا تجد ثمن حتى لقمة العيش وهي التي كانت تصنع الخبز لنفسها ولغيرها.
«حس بيهم يا دولة الرئيس يحس بيك ربنا» وحاول أن تشعر معي بامرأة في الستين، تعاني الفقر والحزن والمرض أيضا، وتلخص كل أحلامها في أن تجد القوت اليومي لأولادها وتكتفي بشراء هياكل الدواجن.
لست من دعاة التدين ولكنني أطالبك بقليل من الجهد بأن تعود مثلا للقرآن الكريم لآية سورة الحشر التي تقول «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم»، أو تعود لسفر التثنية في الكتاب المقدس التي تقول «لاَ تقس قلبك، ولا تقبِض يدك عن أخِيك الفقيرِ، بلِ افتح يدك له وأقرضه مقدار ما يحتاج إليه»، وأنا أطلب منك الالتزام بما جاء في أي من هذه الكتب المقدسة فأنت المسؤول عن الرعية وكل راع مسؤول عن رعيته، فهل راعيت الله في رعيتك وأحسست بها.
لا أطالبك بأن تفعل ما فعله عمر بن الخطاب بأن تحمل جوال الدقيق لامرأة فقيرة من رعيته وتطهو لها الطعام بنفسك وإنما أطالبك وأنت في مكتبك المكيف ومياهك المعدنية وعيشتك المستورة أن تحس بالغلابة وتتفقد أحوال رعيتك وتتخذ قرارات ناجزه لكي يصل اهتمامك لمن يستحقونه ولمن ستسأل عنهم يوم الدين.
وإن لم تستطع وعجزت فاترك المهمة لغيرك حتى لا نفاجأ بأننا «لبسنا في الحيط» وكل مرة نبدأ السطر من أوله ولا نبدأ من حيث انتهى الآخرون، مما يمثل استنزافا لإمكاناتنا وفلوسنا وتحويل الشعب إلى فئران تجارب تنتهي بالفشل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

«برج القاهرة».. 50 عاماً على أكبر فشل لـ«المخابرات الأمريكية»

فى ذكراها المئوية.. رحلة للخلف: الحرب العالمية الأولى 4 سنوات «خراب» فى مصر

السواد يعم "الفيس بوك" و"تويتر" والبعض يرفعون شعار '' الهلال مع الصليب''