«إرادة الشعب».. كلمة السر لتحقيق التغيير فى كل صفحات التاريخ
ميلاد حنا زكى ١٠/ ٦/ ٢٠١١ |
رغم قوى الشر والمحن والكوارث التى حاقت بهم على مدى التاريخ الطويل، كان نور إرادة المصريين يشع وسط هذا الظلام. ويسجل التاريخ الكثير من المواقف والثورات والأزمات والتصدى للاحتلال وظلم الحكام والتخلص من الطغاة، ليصمد ويعلو صوت الشعب محققاً مطالبه.
ظهرت قوة وإرادة الشعب المصرى أثناء تأييد حكم محمد على فى ١٣ مايو سنة ١٨٠٥، حين أبلغته الزعامة الشعبية برغبة الشعب فى تنصيبه على حكم البلاد، وظلت هذه الزعامة- كما وصفها المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه تاريخ الحركة الوطنية- قائمة فى السنوات الأولى من حكم محمد على، فكان لها تأثير فعال فى تثبيت دعائم ملكه وتذليل العقبات، التى وضعها رجال الأستانة من جهة، والإنجليز والمماليك من جهة أخرى.
وكان على رأس هذه الزعامة الشعبية السيد عمر مكرم الذى حمل لواءها فى تقليد محمد على سلطة الحكم، حيث اقتاد الجماهير إلى محمد على، وعرفه مكانة الشعب ونفوذه، وكان يرجع إليهم ويستشيرهم فيما يجد من الأمور.
وبعدما تخلص محمد على من أعدائه المماليك والإنجليز بفضل الزعامة الشعبية، عمل على التخلص من عمر مكرم بعدما رأى أن مكانته وثقته عند الناس كبيرة، فدبر مؤامرة ونفى عمر مكرم إلى دمياط فى ٩ أغسطس سنة ١٨٠٩، وعمل على التشهير بسمعته لمنع تعاطف الشعب معه، ومن هنا ظهر ما يعرف بالفراغ أو انقطاع الصلة بين الحاكم والشعب، وانفرد محمد على بالحكم.
وكانت ثورة عرابى نموذجا آخر ظهرت فيه إرادة الشعب، فلم تكن ثورة عسكرية فحسب، بل ثورة قومية شاركت فيها طبقات الأمة كافة، حسب تأكيد عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الزعيم الثائر.. أحمد عرابى».
كانت الثورة العرابية ثورة دفاع عن الحق، ودفاع عن الحياة، فكانت الأسباب السياسية ترجع إلى تذمر المصريين عامة من سوء نظام الحكم، ورغبتهم فى التخلص منه، ولم يكن ثمة عدل ولا قانون، ولا قضاء ينتصف للمظلوم ويعطى كل ذى حق حقه، ولا حرية ولا مساواة، ولا ضمانات قانونية تكفل للناس حقوقهم وحياتهم.
وأدركت الطبقة الممتازة من الأمة أن إصلاح النظام يكون بقيام الدستور وإنشاء مجلس نيابى يوحد مبادئ العدل والحرية، ويتحقق فيه معنى الرقابة على الحكم، ويحول دون ارتكاب المظالم.. فيأمن الناس على حقوقهم وعلى حياتهم، ومن هنا اتحدت الطبقة المثقفة من الأمة مع الضباط الوطنيين فى الشعور والميول، وأجمع الكل على المطالبة بالمجلس النيابى.. فالثورة العرابية كانت من هذه الوجهة ثورة على المظالم، وثورة على الحكم الاستبدادى.
وتعد ثورة ١٩١٩ نموذجا يؤكد مدى ترابط كل فئات الشعب بإرادة واحدة، عن طريق القيام بمظاهرات سلمية للاحتجاج على القبض على زعمائهم الأربعة والتعبير عن تأييدهم فى مطلبهم الخاص بالاستقلال التام، ولكن الأمر تطور بسبب التجاء السلطات البريطانية إلى مقابلة محاولتهم السلمية هذه بالعنف والقسوة، مما فجر الاستياء المكبوت فى صدور الناس لمختلف الأسباب السياسية والاقتصادية وظهوره فى شكل ثورة عارمة ضد الإنجليز، وبدأت الثورة- كما وصفها الدكتور عبدالعظيم رمضان فى كتابه «تطور الحركة الوطنية فى مصر»- بانفجار من طابع الارتجال والخطة العفوية والتنظيم السريع، ولكن هذا الانفجار سرعان ما تحول إلى ثورة عندما اشتمل على عناصر جديدة على النضال الوطنى، دلت على وقوع تغيير عميق فى كيان المجتمع المصرى، وكان أبرز هذه العناصر الأقباط والمرأة المصرية.
ومن القاهرة انتقلت الحركة إلى الأقاليم، وكانت الطبقة البورجوازية فى المدن أول من استجاب لنداء الثورة وتبعتها الطبقة العمالية فيها، أما فى القرى فكان الفلاحون هم الذين حملوا عبء النضال بتأييد الأعيان، وتصدرت الطبقة المثقفة النضال وقادته منذ البداية وانبث أفرادها فى كل مكان، وتعطلت حركة المواصلات ودار القتال فى الشوارع من وراء المتاريس، وفى مدن اشتد طابع الثورة إلى درجة مهاجمة مراكز البوليس وتدمير الكبارى والجسور ومحطات السكك الحديدية والاستيلاء على السلطة أحيانا كما حدث فى مدينة زفتى، وفى القرى خرجت جموع الفلاحين لقطع الخطوط الحديدية والتلغرافية والتليفونية، وكان أعنف حوادث الثورة ما جرى فى الصعيد وما حدث بين البدو والقوات العسكرية البريطانية فى الفيوم.
ولم تخل ثورة ١٩١٩ من عناصر فاسدة مثلما يحدث فى أى مسيرات احتجاجية تعبر عن رأيها، فقد وجد من كان يحمل على ظهره البضائع المنهوبة وهو يهتف يحيا الوطن وظهر من ينهبون المنازل ويسىء للثورة.. ونجحت الثورة فى النهاية بإرادة خالصة من الشعب.
وجاءت ثورة ٢٥ يناير لتظل إرادة الشعوب هى كلمة السر الأولى نحو تحقيق التغيير، والخروج من الظلام إلى النور، ومن الاستعباد إلى الحرية.
|
تعليقات
إرسال تعليق