دولة التلاوة والإنشاد الدينى تأسست فى رحاب رمضان

دولة التلاوة والإنشاد الدينى تأسست فى رحاب رمضان


ميلاد حنا زكى

فى دولة التلاوة والإنشاد الدينى تجد الأصوات كالمعادن بعضها كالصفيح، وبعضها كالفضة وبعضها له رنين النحاس، والبعض الآخر، وهو النادر جداً، الصوت الذى له وقع وبريق وملمس الذهب، حيث تأسست وتشكلت مدرسة متميزة لها نجومها فى التلاوة بالمساجد والسرادقات، خاصة فى شهر رمضان، حيث تغمر المساجد بهجة الأنوار وتعمر بجموع المصلين والمتعبدين بتلاوة القرآن الكريم، فقد سجل التاريخ المئات من المقرئين أصحاب الأصوات الندية الجميلة، منهم الشيخ أحمد ندا، أشهر قراء عصره فى الربع الأول من القرن العشرين، الذى أحدث ثورة فى دولة التلاوة على حد قول الكاتب عرفة عبده على فى كتابه «رمضان فى الزمن الجميل»، حيث ابتكر الشيخ أحمد ندا أسلوباً جديداً فى القراءة مع قوة وجمال الصوت، الذى كان يدخل سريعاً إلى القلوب فيأسرها ويستولى على مشاعر المستمعين، وبلغت شهرته كل مديريات مصر، فكان يحيى ليالى رمضان فى قصور الباشوات والأمراء، ودور العمد والأعيان، وكان أجره 5 جنيهات، قال عنه الأديب الشيخ عبدالعزيز البشرى إنه كان يقرأ فلا يلتزم لوناً واحداً، وإنما يتجول بين فنون من التنغيم ليلتمس أندر جمالياتها وأصعبها أداءً، ومن ثم اكتسب شهرة نجم التلاوة الأول وعميد القراء، وكان هناك أيضاً رواد آخرون منهم الشيخ بدار، مقرئ السلطان العثمانى، والشيخ محمود القيسونى، مؤذن ومقرئ السراى، والشيخ حسين الصواف، والشيخ حنفى برعى، والشيخ محمود صبح، والشيخ يوسف المنيلاوى، الذى اتجه للتلحين والغناء، وهناك نجم فن التواشيح والتلاوة المؤذن والمنشد والمطرب الشيخ على محمود، مقرئ جامع الإمام الحسين، الذى درس فنون الموسيقى الشرقية، ووضع عشرات الألحان لقصائد دينية، وأسلوبه الفريد مع بطانته فى السيرة النبوية والإنشاد الدينى جعل منه أسطورة لن تتكرر فى هذا الفن، وكان يصعد فى ليالى رمضان المئذنة القديمة لمسجد الحسين ليؤذن للصلوات الخمس.. ويسبق أذان الفجر بتسابيح توقف كل السائرين حول المسجد.
واشتهر فى القراءة بمسجد الحسين الشيخ محمد الصيفى، أستاذ علم القراءات، الذى أدخل فنوناً جديدة على قواعد التلاوة، وتتلمذ على يديه الكثيرون ومنحه عدد من الرؤساء والملوك نياشين وأوسمة تقديراً لفنه.
كما كان الشيخ سعيد محمد نور السودانى، مقرئ مسجد الخازندار بشبرا، صاحب الأسلوب المتفرد فى التلاوة المغلف بالشجن العميق، ووصفه الكاتب محمود السعدنى فى كتابه «ألحان من السماء» بأنه كان يتلو بأسلوب كأغانى الزنوج فى الغابات، وأن سائقى ترام شارع شبرا كانوا يتوقفون عند سماعهم صوت الشيخ سعيد استجابة للركاب.
ومن الأصوا التى تعد رمزاً لشهر رمضان الكريم، الشيخ محمد رفعت الذى وصف بأن «دموع قلبه كانت تجرى فى نبرات صوته»، حيث تلألأ صوت الشيخ رفعت وسط جيل من رواد الموسيقى، مثل الشيخ أبوالعلا محمد، وعبده الحامولى، وسيد درويش، وبرز بعد ذلك الشيخ مصطفى إسماعيل الذى جلجل صوته فى أشهر مساجد مصر وحظى بتقدير الملوك والرؤساء، وأحيا ليالى رمضان فى حضور الملك فاروق والرئيس عبدالناصر واصطحبه الرئيس السادات فى زيارته للقدس، وكان أول قارئ للقرآن ينال وسام العلوم والفنون فى الاحتفال بعيد العلم عام 1965، وفى الوقت نفسه ظهر مقرئ مسجد الإمام الشافعى وهو الشيخ عبدالباسط عبدالصمد الذى أحيا ليالى رمضان فى الحرم المكى والمسجد الأموى وفى مساجد حلب وبيروت والمملكة الأردنية وفى مختلف عواصم العالم الإسلامى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

«برج القاهرة».. 50 عاماً على أكبر فشل لـ«المخابرات الأمريكية»

فى ذكراها المئوية.. رحلة للخلف: الحرب العالمية الأولى 4 سنوات «خراب» فى مصر

السواد يعم "الفيس بوك" و"تويتر" والبعض يرفعون شعار '' الهلال مع الصليب''