«١٨٦٦-١٩١٣».. لقطات من الحياة النيابية الأولى
«١٨٦٦-١٩١٣».. لقطات من الحياة النيابية الأولى كتب ميلاد حنا زكى ١٩/ ١١/ ٢٠١٠ |
شهد يوم الثلاثاء ٢٧ نوفمبر ١٨٦٦ الخطوة الأهم فى تطور الحياة النيابية فى مصر فقد اجتمع أول أعضاء لمجلس الشورى بعد إنشائه فى عهد الخديو إسماعيل فى القلعة، فيما يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية حقيقية، وليس مجرد مجلس استشارى كما كان أيام محمد على، ومع مرور الوقت اتسعت صلاحيات المجلس شيئاً فشيئاً، وبدأت تظهر نواة الاتجاهات المعارضة، وقد ساعد على هذا التطور انتشار أفكار التنوير على يد مجموعة من كبار المفكرين والكتاب، إضافة إلى ظهور الصحف فى ذلك الوقت مما عزز المطالبة الشعبية بإنشاء مجلس نيابى له صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة. ففى أولى جلسات مجلس الشورى تحقق الخديو إسماعيل من صحة نيابتهم، وكان ممن حضر من الوزراء وكبار الموظفين، شريف باشا وزير الداخلية وقتئذ، ومحمد حافظ باشا وزير المالية، ومحمد مظهر باشا وكيل وزارة الأشغال وعلى بك مبارك وغيرهم، ومن مقترحات الأعضاء فى الجلسة الأولى ما أثاره «هلال بك» أحد نواب الدقهلية عن موضوع «السخرة» الذى كان يتعرض له العمال فى عملية الرى وبعد عدة جلسات تم حل هذه المشكلة بجعل السخرة مبنية على قاعدة المساواة، ثم اقترح «إبراهيم أفندى الشريعى» رئيس لجنة المنيا، النظر فى مسألة تقسيط الأموال الأميرية، وتحديد مواعيد لدفعها ولكن المجلس لم يحل هذه المشكلة مبرراً ذلك بأن الحكومة لا يمكنها تعديل مواعيد الضرائب لأنها مرتبطة بدفع فوائد ديونها فى المواعيد المحددة لسداد الأموال، ومن المقترحات المهمة أيضا اقتراح «أتربى بك أبوالعز» أحد نواب الغربية، تعميم المدارس الابتدائية بإنشاء مدرسة فى كل مديرية، فأقر أعضاء المجلس الاقتراح وحبذوه وله الفضل فى انتشار المدارس فى كل مكان الآن، أما عن فكرة سندات التعامل بين الناس فاقترحها «سليمان أفندى عبدالعال» من نواب أسيوط، واقترح «ميخائيل أفندى أثناسيوس» من نواب المنيا وأول قبطى يدخل البرلمان، بإلغاء نظام العهد وهو من الأنظمة السيئة التى كان يشكو منها الناس حيث يتعهد بعض الأعيان والمأمورين ورجال الجهادية جباية الضرائب وكان يصادف أحياناً كثيرة بلاد أهلها غير قادرين على الزراعة أو متأخرين فى سداد مالها، فكان المتعهدون يتكفلون بسداد الضريبة من مالهم الخاص، فألغته الحكومة بناء على اقتراح ميخائيل أثناسيوس لأنه نظام كان يرهق الفلاحين والمتعهدين. وفى دور الانعقاد الثانى للمجلس وعد الخديو فى خطبته بتحقيق ما تبقى من مقترحات الدور الأول وأصدر المجلس قرارات جديدة منها إنشاء مجلس زراعى فى كل مديرية يسمى «مجلس تنظيم الزراعة» وإنشاء المستشفيات وردم البرك والمستنقعات وجواز دفع بدل نقدى ثمانين جنيهاً للإعفاء من الخدمة العسكرية والعديد من المنشآت والتى بلغت ميزانيتها حوالى عشرة ملايين جنيه، استدانت الحكومة بها قروضاً متلاحقة. وانتهت عضوية مجلس شورى النواب الأول بانقضاء ثلاث سنوات على انتخابه، وأجريت الانتخابات للهيئة النيابية الثانية فى أوائل سنة ١٨٧٠، وخلال هذه الفترة أشار الخديو إلى اعتزام الحكومة إصلاح القناطر الخيرية على خلاف عامى ١٨٧٤ و ١٨٧٥، حيث أوقف الخديو إسماعيل الحياة النيابية خوفاً من زيادة الديون التى تزيد عاماً بعد عام، وعادت الحياة النيابية بعد الانقطاع فى عام ١٨٧٦ حيث دعت الحكومة أعضاء المجلس إلى الاجتماع لدور «فوق العادة» بطنطا، واختارت هذه المدينة لمناسبة قيام المولد الأحمدى بها والغرض من الاجتماع هو البحث فى مسألة أبطال المقابلة أو إقرارها وفى هذا الاجتماع ظهرت روح «المعارضة» ولقب بعض النواب بـ«البارزون» وذلك لحصافة رأيهم وقوة المنطق عندهم وظلت مسألة الديون على مصر حديث الدورات التى عقدت فيما بعد، وفى عام ١٨٧٩ صدر أول دستور مصرى وكان من أهم مبادئه تخويل سكان السودان حق انتخاب ممثلين عنهم فى مجلس النواب، أسوة بسائر سكان مصر وأعطى الحرية التامة للنواب فى إبداء آرائهم وقراراتهم وعرفت هنا «الحصانة» للنائب فلا يجوز حبسه ولا إقامة دعوى عليه أثناء مدة انعقاد المجلس، هذا فيما عدا الأحوال التى يضبط أحد النواب متلبساً بجناية جسيمة، وننتقل للقانونين الصادرين فى عهد الاحتلال (١٨٨٢ و١٩١٣) فقد حرما حق الانتخاب على من لهم بيوت للعب القمار أو الفحشاء !! واشترط هذان القانونان على المندوب الذى يمارس حق الانتخاب أن يكون «جارياً دفع مال مقرر على عقارات أو أطيان فى نفس المديرية قدره ٥٠٠٠ قرش سنوياً، وذلك منذ سنتين على الأقل» وهذا المبلغ كان يدفع كضريبة عن ٦٢ فداناً من الأراضى المتوسطة». والجدير بالذكر أن المادة الثالثة من القانون الصادر عام ١٨٨٢ أعطت حق الانتخاب لثمانى فئات حتى ولو لم يكن عليهم المبلغ المقرر وهذه الفئات كانت « العلماء الحائزون رتبة التدريس أو المشهورون بصفة العالمية، والقسيس وسائر الرؤساء الروحانيين من المسيحيين والحاخامات الإسرائيليين، والمدرسون فى المدارس الأميرية والمكاتب الأهلية والحائزون للشهادات من المدارس العليا، وأرباب الوظائف الملكية سواء كانوا فى الوظائف أو متقاعدين، وضباط العسكرية سواء كانوا فى الخدمة أو مستودعين أو متقاعدين، والأفوكاتية المقبولون فى المجالس النظامية، والأجزنجية والأطباء والمهندسون» ويبدو أن هذا الاستثناء كان مرتبطاً بطبيعة القوى التى أصدرته وهى قوى الثورة العرابية، التى أرادت فيما يبدو أن تستقطب عناصر رجال الدين والمثقفين باعتبارهم من العناصر المؤثرة فى ميدان العمل السياسىأما الشكل الذى قام عليه النظام النيابى بمقتضى القانون الأساسى الصادر عام ١٨٨٣، فقد قام على قاعدة تصنعها مجالس المديريات الأربع عشرة التى ينتقل ممثلون منها إلى مجلس شورى القوانين، والتى يصعد مجموع أعضائها للجمعية العمومية، وقد تم هدم هذا الشكل الهرمى من خلال إلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية وحلول الجمعية التشريعية محلهما والتى يتم انتخاب أعضائها بواسطة الناخبين المندوبين. وتضمنت اللائحة الأساسية التى وافق عليها مجلس النواب المصرى وصدر بها الأمر العالى فى ٧ فبراير سنة ١٨٨٢ ، أن يكون انتخاب أعضاء المجلس لمدة خمس سنوات، ويعطى لكل منهم مائة جنيه مصرى فى السنة مقابل مصاريفه، بينما تضمنت المادة الرابعة أنه لا يجوز التعرض للنواب بوجه ما، وإذا وقعت على أحدهم جناية أو جنحة مدة اجتماع المجلس فلا يجوز القبض عليه إلا بمقتضى إذن من المجلس. وقد أسفرت قوانين الانتخاب الأربعة عن حقيقة مؤداها أن تلك القوانين لم تصدر فى عزلة عن المتغيرات العميقة التى شهدتها البلاد فى تلك الحقبة بالتحول من المجتمع الريفى إلى المجتمع المدنى، ويظهر ذلك جلياً فى المقارنة بين قانون عام ١٨٦٦ وقانون عام ١٨٨٣، فبينما كان القانون الأول ينصب بالأساس على العملية الانتخابية فى المديريات فى مصر والإسكندرية ودمياط فقط، فإن القانون الثانى شكل ثمانى مدن وهى القاهرة والإسكندرية وكل مدينة من رشيد ودمياط وبورسعيد والإسماعيلية والسويس والعريش. لينك |
تعليقات
إرسال تعليق