١٠٠ عام على افتتاح «الجمعية التشريعية»: برلمان بشروط «الاحتلال»


    ميلاد حنا    ٢٤/ ١/ ٢٠١٤
الجمعية تكونت من 66 عضوا منتخبا و17 معينا.. وسعد زغلول كان «وكيلا» وأصدر أول بيان انتخابى فى بولاق والسيدة زينب
على الرغم من أن طريقة انتخاب أعضائها وتعيينهم لم تكن تتفق مع روح الديمقراطية، فإن الجمعية التشريعية التى تم تأسيسها، قبل الحرب العالمية الأولى، كانت المنبر الوحيد الذى يتيح للأمة أن تعلن فيه رأيها، دون أن تكون لها سلطة فعلية على وجه الإطلاق، إذ انحصرت مهمة الجمعية فى إبداء المشورة للحكومة، سواء أخذت برأيها أو ألقته جانبا، ولكن من الممكن اعتبار الجمعية «النواة الأولى للنظام البرلمانى المصرى»، حسب شهادة السياسى والأديب الدكتور محمد حسين هيكل، الذى كان عضوا فى لجنة الثلاثين، التى وضعت دستور ١٩٢٣.
وتأسست الجمعية التشريعية بعد قدوم اللورد كتشز كمعتمد سامى بريطانى، خلفا للسير ألدن غورست، حيث سارع بتعديل النظام النيابى فى مصر لتهدئة الرأى العام الذى كان يطالب بجلاء المحتل الإنجليزى، وذلك بإلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، وإصدار قانون نظامى جديد يقضى بإنشاء الجمعية التشريعية فى أول يوليو ١٩١٣، وبعد ١٥ يوما، سافر حسين باشا رشدى، ناظر الخارجية وقتئذ، ومعه القانون الجديد الخاص بتأسيس الجمعية التشريعية لتوقيعه من الخديو عباس حلمى الثانى، وكان ذلك فى باريس.
وفى ٢١ يوليو ١٩١٣ صدر القانون، ويقضى بإنشاء جمعية تشريعية تحل محل مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، وتأليف مجلس فى كل مديرية، وتكونت الجمعية من النظار (الوزراء)، ثم من الأعضاء المنتخبين والمعينين، وكان عدد المنتخبين ٦٦ عضوا، مع مراعاة أن يكونوا من جميع المحافظات، أما الأعضاء المعينون فكان عددهم ١٧، وحددت الحكومة مكافأة يأخذها الأعضاء، قدرها ٢٥ جنيها فى الشهر.
وكان من شروط عضوية الجمعية أن يكون العضو فوق الخامسة والثلاثين، ومتعلما، ويدفع الضريبة، ونص القانون النظامى للجمعية على أن تكون مدتها التشريعية ٦ سنوات، واختير لرئاستها أحمد مظلوم باشا، ناظر المالية سابقا، وكان للجمعية وكيلان، أحدهما تعينه الحكومة، وكان عدلى يكن باشا، والآخر ينتخبه الأعضاء من بينهم، وفاز بالانتخابات وقتها سعد زغلول باشا، نظرا لشعبيته وحنكته فى الحديث، حيث كان لسعد زغلول أول بيان انتخابى فى تاريخ الحياة النيابية المصرية، أصدره لانتخابه بالجمعية التشريعية عن دائرتى بولاق والسيدة زينب، وترتب عليه صدى كبير لالتفاف الشعب حوله.
وكان سعد زغلول يشعر دائما بخطورة المهمة الملقاة على عاتقه كوكيل منتخب للجمعية التشريعية يمثل الأمة، ولذا كان يعتبر نفسه مسؤولا عن أمانة الدفاع عن مصالح الأمة والنهوض بشؤونها، وكان دائم القول: «أنا فى الجمعية التشريعية المترجم الأمين عن شعور الشعب المصرى فى مصلحته المحصنة»، وكان دائم السخط على عيوب النيابة فى الجمعية، ويحاول دائما توسيع سلطاتها، تارة بطريق القانون المعترف به، وأخرى بـ«العرف».
وفى ٢٢ يناير عام ١٩١٤ افتتحت الجمعية التشريعية أولى جلساتها، وحضر حفل الافتتاح الخديو عباس حلمى الثانى.
أما اختصاصات الجمعية التشريعية فكانت تتلخص فى وجوب أخذ رأيها قبل إصدار أى قانون، مع عدم التقيد بالأخذ بهذا الرأى، وكان للجمعية التشريعية أن تقبل أى مشروع قانون يقدم لها من الحكومة كما هو أو أن تعدله أو أن ترفضه، وللجمعية حق تحضير مشروعات القوانين عدا ما يتعلق منها بالقوانين النظامية، ولمجلس النظار (الوزراء) أن يوافق على المشروعات التى تقترحها أو يرفضها، وفى حالة الرفض يذكر الأسباب.
وأول الموضوعات التى أثارت جدلا بين الجمعية التشريعية والحكومة، مسألة إسناد مهمة رئاسة الجمعية، فى حالة غيابه، إلى أى من الوكيلين: المعين أو المنتخب، وكانت الحكومة ترى إسناد الرئاسة إلى الوكيل المعين، وهددت الحكومة الجمعية بأنها إذا لم توافق على هذا الرأى فسوف تنفذه بالقوة، وتصدى لهم سعد زغلول، وقال: «الأعضاء المعينون يرون أنفسهم أنهم من صنائع الحكومة، وأنها صاحبة الفضل فى وجودهم بها، ومن ثم لا يجدر بأحدهم أن يناقش أو يعترض على القوانين التى تعرضها الحكومة». وعقدت الجمعية التشريعية دور انعقاد واحداً فقط، من ٢٢ يناير عام ١٩١٤ إلى ١٧ يونيو ١٩١٤، ولم تعقد أى اجتماعات بعد ذلك لتوقف الحياة النيابية فى مصر بسبب الحرب العالمية الأولى، وقد صدر الأمر بحل هذه الجمعية فى ٢٨ إبريل عام ١٩٢٣م.
وجاءت مرحلة جديدة بإعلان الدستور فى ١٩ إبريل عام ١٩٢٣ فى ظل تعدد الأحزاب، وقد أعلن الدستور أن التشريع من حق البرلمان، وهكذا أُرسيت قواعد الممارسة الديمقراطية البرلمانية فى مصر على نحو تدريجى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

«برج القاهرة».. 50 عاماً على أكبر فشل لـ«المخابرات الأمريكية»

فى ذكراها المئوية.. رحلة للخلف: الحرب العالمية الأولى 4 سنوات «خراب» فى مصر

السواد يعم "الفيس بوك" و"تويتر" والبعض يرفعون شعار '' الهلال مع الصليب''